إقلاع طائرة بولتون
![]() ![]() ![]() ![]() |
بيار عقيقي
صحافي لبناني"لا يصل عددكم جميعاً إلى 800 ألف شخص، تعالوا اسكنوا في الولايات المتحدة". عبارة ردّدها جون بولتون أمام شخصية لبنانية من فريق 14 آذار في صيف 2005، في معرض الحديث عن مسيحيي لبنان ودورهم في الشرق الأوسط.
لمن لا يريد تصديق التحولات العسكرية للرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، عليه النظر إلى التعيين الجديد له، فجر أول من أمس الجمعة، إطاحة هربرت روبرت ماكماستر من موقع مستشارا للأمن القومي، وتعيين جون بولتون مكانه. يبدو وقع الاسم رناناً، أليس كذلك؟ ليس بولتون غريباً، بل من "أهل البيت" في الشرق الأوسط. اسمه ترافق مع ملفات ساخنة عديدة في المنطقة، من سوريا إلى العراق إلى إيران إلى حزب الله في لبنان. بولتون هو المسار الفاصل بين "أمريكتين"، بين أمريكا التي جهّزت نفسها لحملة عسكرية وأمريكا التي ستطبّق العمل العسكري. بولتون هو المحور الذي ستدور حوله المرحلة المقبلة.
بات معلوماً أن الولايات المتحدة تنوي القيام بعمل عسكري في العالم، لا على شكل إرسال مستشارين، ولا عبر القصف بطائرات من دون طيار، بل سيتسع الدور إلى مجالات أرحب. أصمّ من لا يريد سماع طبول الحرب في الكوكب، خصوصاً الطبل الأمريكي. والسؤال الأهم: من أين يمكن أن يبدأ بولتون؟
هناك بؤر صراع متعددة يمكن للأمريكيين التحرّك بها. هناك كوريا الشمالية التي يمكن إغلاق ملفها في مايو/أيار المقبل، بلقاء مرتقب بين ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ ـ أون. وهناك أفغانستان، في حال استمر الصراع الأمريكي ـ الباكستاني، حول ملف حركة طالبان وتنظيم داعش في الوسط الآسيوي. وهناك سوريا، في حال أراد الأمريكيون ترسيخ وجودهم فيها، شرقي الفرات والتنف، مشرّعين الأبواب أمام انكماش مرتقب للعملية العسكرية التركية في الشمال السوري من جهة، أو في حال أرادوا تكريس منطق تقسيم سوريا أو بناء مناطق إدارية فيها، نوعا من أنواع الفيدرالية أو الحكم الذاتي من جهة أخرى.
وعدا عن الصراعات الأممية مع روسيا والصين، فإن بولتون، في نهاية المطاف، ووسط كل تلك الخيارات، لا بدّ أنه آتٍ رافعاً راية واحدة: "محاربة إيران وحلفائها في المنطقة". الرجل سيدفع بالتأكيد نحو انسحاب ترامب من الاتفاق النووي الإيراني في مايو/أيار المقبل. وسيدفع نحو الضغط على رئيس الحكومة العراقية، حيدر العبادي، لمنع إشراك "الحشد الشعبي" في أي حكومة عراقية، ورافضاً حتى فكرة "التحالف" النيابي بين الطرفين. في اليمن، سيسعى إلى محاصرة الحوثيين أكثر، سعياً إلى إنهاء تمددهم في الشمال اليمني. وفي لبنان، سيعمل على زيادة الضغط على حزب الله، سواء بالعقوبات المالية، أو برفع الغطاء أمام ضربة إسرائيلية محتملة.
بولتون هو عنوان الحرب الجديدة في الشرق الأوسط، ودوره في مسألة ضرب النفوذ الإيراني لا بدّ منه أمريكيًا. وفي حال نجح بذلك، يكون قد غيّر مسار الأحداث بعد 11 سبتمبر/أيلول 2001 واجتياح أفغانستان (2001) ثم العراق (2003). وفي حال فشل، يكون قد أحدث الفوضى مضمونة النتائج أمريكيًا في المنطقة. في الحالتين، سيحقق بولتون مراده في الشرق الأوسط، واستطراداً ترامب أيضاً.
"صقر الحرب" كما يلقّب في الولايات المتحدة، على عتبة سنّه الـسبعين. الوقت عامل مهم بالنسبة إليه ولترامب. نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة في 14 مايو/أيار المقبل محوري في أساسياتهما. يدرك بولتون أنه أمام ترامب "المجنون"، الرجل الذي يمكنه السماح لك بإصدار أوامر "رئاسية"، والرجل الذي يمكنه طردك قبل أن يأكل أول وجبة من "تشيزبرغر" على العشاء. التناغم مع ترامب حتمي لبولتون، وإلا فإنه سيلحق بأسلافه من ماكماستر إلى ستيف بانون.
"الدبلوماسية ليست نهاية إن لم تؤمّن مصالح الولايات المتحدة" عبارة لبولتون يمكنها كشف كثير عن "طموحاته" وتطلعاته في المرحلة المقبلة. شدّوا الأحزمة، انطلقت طائرة بولتون من البيت الأبيض، في انتظار أن تحطّ في ساحة نزاعٍ ما.
المصدر: العربي الجديد